كنتُ في السادسة عشرة مِن عمري، وكسائر المُراهقات لَم تسَعني الدنيا. لكنّ أهلي كانوا مُحافظين للغاية أو بالأحرى هكذا أسموا أنفسهم. فالدافع وراء تزمّتهم كان إراحة أنفسهم مِن جهتي، أنا الابنة الوحيدة، وعدَم الانشغال بمُراقبتي أو تدريبي على الحياة، وتسليحي ضدّ كلّ ما يُمكنه أذيّتي. بكلمة، إتّبعوا سياسة النعامة آملين أن يأتي عريسًا في أقرَب وقت، ويُريحهم مِن العبء الذي أشكلّه لهم منذ ما علِموا أنّ ابنة آتية إلى الدنيا.
مُنقذي الحقيقي
كنتُ أتكلّم عبر الهاتف أثناء قيادتي السيّارة، وانحرَفتُ فجأة عن الطريق فاصدَمتُ بعامود كهربائيّ. طارَ الهاتف مِن الشبّاك وأصابَني ألَمٌ شديد في الصدر بسبب حزام الأمان الذي خلّصَني مِن اصابة بليغة. وبينما كنتُ أستعيدُ رشدي، رأيتُ دخانًا يتصاعدُ، وسمِعتُ صوت رجُل يسألُني إن كنتُ بخير. أخرَجني الرجُل بسرعة مِن السيّارة التي بدأَت تحترق، وحملَني إلى مركبته وأخذَني إلى المشفى. هناك سألَني عن رقم أهلي الذين أتوا بسرعة فائقة. كان الرجُل قد غادَرَ المشفى فور تبادُل المعلومات مع إدراة المشفى وتطمين أبوَيّ عليّ.
كذبةٌ كشفَت النوايا
كانت لي أيّام جميلة حين كنتُ ناجحًا في عمَلي الذي درَّ عليّ أموالاً كثيرة. إلا أنّ الظروف ساءَت لِدرجة أنّني خسرتُ كلّ شيء بسرعة رهيبة. غرقتُ في كآبة عظيمة إذ أنّ جنى عمري ضاعَ منّي وكذلك أحلامي وآمالي، فلقد عمِلتُ بكدّ لسنوات عديدة بغرَض تكوين عائلة مع إنسانة تكون نصفي الآخَر ونعيشُ كلّنا برخاء. فالجدير بالذكر أنّني آتٍ مِن عائلة مُتواضعة، ولقد شهدتُ كيف أنّ أبي فعَل جهده سدىً لتأمين ما يلزمنا، وكيف أنّ والدتي عانَت طوال حياتها مِن ذلك الضيق المادّيّ. وأتذكّرُ أنّني أقسمتُ لنفسي أنّني لن أعيدَ غلطة والدي أي أبني عائلة لا تحصلُ على أقلّ قدر مِن الراحة. وها أنا أعودُ إلى حالة القلّة وكأنّني لَم أنجِز شيئًا على الاطلاق!